الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
ذكرها بعدها؛ لأن كلا منهما عقد التزام ما على الأصيل للتوثق، إلا أن الحوالة تتضمن براءة الأصيل براءة مقيدة بخلاف الكفالة، فكانت كالمركب مع المفرد والمفرد مقدم فأخر الحوالة عنها، والكلام فيها في مواضع: الأول في معناها لغة ففي المصباح حولته تحويلا نقلته من موضع إلى موضع وحول هو تحويلا يستعمل لازما متعديا، وحولت الرداء نقلت كل طرف إلى موضع الآخر والحوالة مأخوذة من هذا فأحلته بدينه نقلته من ذمة إلى غير ذمتك، وأحلت الشيء إحالة نقلته أيضا ا هـ. وفي الصحاح أحال عليه بدينه والاسم الحوالة ا هـ. وفي فتح القدير يقال أحلت زيدا بماله على عمرو فاحتال أي قبل فأنا محيل وزيد محال يقال محتال والمال محال به والرجل محال عليه، ويقال محتال عليه فتقدير الأصل في محتال الواقع فاعلا محتول بكسر الواو وفي الواقع مفعولا محتول بالفتح كما يقدر في مختار الفاعل مختير بكسر الياء وفتحها في مختار المفعول، وأما صلة له مع المحتال الفاعل فلا حاجة إليها بل الصلة مع المحال عليه لفظة عليه فهما محتال ومحتال عليه فالفرق بينهما بعدم الصلة وبصلة عليه، ويقال للمحتال حويل أيضا فالمحيل هو المديون والمحال والمحتال رب الدين والمحال عليه والمحتال عليه هو الذي التزم ذلك الدين للمحتال والمحال به نفس الدين ا هـ. الثاني في معناها شريعة فأفاده بقوله: (هي نقل الدين من ذمة إلى ذمة) أي من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وهذا قول البعض فقد اتفقوا على أصل النقل ثم اختلفوا في كيفيته فقيل إنها نقل المطالبة والدين، وقيل نقل المطالبة فقط وجعل الاختلاف في البدائع بين المتأخرين، ونسب الشارح الأول إلى أبي يوسف والثاني إلى محمد. وجه الأول دلالة الإجماع من أن المحتال لو أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه منه صح، ولو أبرأ المحيل أو وهبه لم يصح ولولا انتقاله إلى ذمة المحال عليه لما صح الأول، ولصح الثاني وحكي في المجمع خلاف محمد في الثانية فكأنه لم يعتبره فنقل الإجماع، ووجه الثاني دلالة الإجماع أيضا من أن المحيل إذا قضى دين الطالب بعد الحوالة قبل أن يؤدي المحتال عليه لا يكون متطوعا، ويجبر على القبول ولو لم يكن عليه دين لكان متطوعا، فينبغي أن لا يجبر على القبول كما إذا تطوع أجنبي بقضاء دين إنسان على غيره، وكذا المحتال لو أبرأ المحال عليه دين الحوالة لا يرتد برده، ولو وهبه منه ارتد كما لو أبرأ الطالب الكفيل أو وهبه منه، ولو انتقل إلى ذمة المحال عليه لما اختلف حكم الإبراء والهبة، وكذا المحال لو أبرأ المحال عليه عن دين الحوالة لم يرجع على المحيل، وإن كاتب بأمره كالكفالة ولو وهب الدين منه فله الرجوع إذا لم يكن للمحيل عليه دين، ولو كان له عليه دين يلتقيان قصاصا كما في الكفالة فدلت هذه الأحكام على التسوية بين الحوالة والكفالة، ثم الدين في باب الكفالة ثابت في ذمة الأصيل فكذا في الكفالة هكذا قرره في البدائع، ولم يرجح وفي فتح القدير المصحح من المذهب أنها توجب البراءة من الدين ا هـ. فالمذهب ما في الكتاب قالوا وفائدة الاختلاف في أنها نقلهما، أو المطالبة فقط تظهر في مسألتين إحداهما أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين فله أن يسترد الرهن عند أبي يوسف وكذا لو أبرأه عنه وعند محمد لا يسترده كما لو أجل الدين بعد الرهن، والثانية إذا أبرأ الطالب المحيل بعد الحوالة لا يصح عند أبي يوسف؛ لأنه برئ بالحوالة، وعند محمد يصح وبرئ المحيل وقد أنكر هذا الخلاف بينهما بعض المحققين، وقال لم ينقل عن محمد نص بنقل المطالبة دون الدين بل ذكر أحكاما متشابهة واعتبر الحوالة في بعضها تأجيلا، وجعل المحول بها المطالبة لا الدين واعتبرها في بعض الأحكام إبراء، وجعل المحول بها المطالبة والدين وإنما فعل هكذا؛ لأن اعتبار حقيقة اللفظ يوجب نقل المطالبة والدين إذ الحوالة مبنية على النقل وقد أضيف إلى الدين، واعتبار المعنى يوجب تحويل المطالبة؛ لأن الحوالة تأجيل معنى ألا ترى أن المحتال عليه إذا مات مفلسا يعود الدين إلى ذمة المحيل وهذا هو معنى التأجيل فاعتبر المعنى في بعض الأحكام، واعتبر الحقيقة في بعضها نعم يحتاج إلى بيان لمية خصوص الاعتبار في كل مكان كذا في فتح القدير وفي تلخيص الجامع بها صار على الحويل ما كان على المحيل إذ نقل الدين أوفى بمعناها من نقل الطلب وحده، وإن عكس أبو يوسف حسب التأثير في عتق المكاتب، وبطلان الرهن بعد الإحالة على الغير ولهذا جاز للمحال أن يبرئ الحويل أو يسترهن أو يهب منه دون المحيل على المذهب عكس ما قبلها، ولم يصر للمحال ما كان للمحيل وإن قيدها بالدين حذار تمليكه غير المديون بل يلزم الحويل دينان لهذا لو قبل الحال مؤجلا لم يظهر الأجل في حق المحيل حسب التأثير بعد الموت والإبراء ا هـ. ثم اعلم أنه يرد على تعريفها بالنقل المذكور أشياء الأول أن التعريف لا يصدق على الحوالة المقيدة الوديعة إذ ليس فيها دين انتقل إلى المحال عليه. ثانيها عود الدين بالتوى ولو انتقل الدين لم يعد. ثالثها جبر المحال على قبول الدين من المحيل بعدها، ولو انتقل لم يجبر. رابعها قسمة الدين بين غرماء المحيل بعد موته قبل قبض المحتال، ولو انتقل لاختص به المحال. خامسها أن إبراء المحتال المحال عليه لا يرتد بالرد، ولو انتقل إليه لارتد. سادسها أن توكيل المحال المحيل بالقبض من المحال عليه غير صحيح، ولو انتقل من ذمة المحيل لصح لكونه أجنبيا. سابعها أن المحتال لو وهب للمحال عليه كان له أن يرجع على المحيل ولو انتقل الدين إلى المحال عليه لكانت الهبة إبراء فلا رجوع. ثامنها أنها تفسخ بالفسخ ولو سقط الدين لم يعد تاسعها عدم سقوط حق حبس المبيع فيما إذا أحاله المشتري. عاشرها كذلك الرهن والجواب أن موجبها نقل مؤقت لا مؤبد فبرئ المحيل براءة مؤقتة إلى التوى فالرجوع به؛ لأنه لم يبرأ براءة مؤبدة، وإنما برئ بشرط السلامة للمحتال فحيث توى المال لم يوجد الشرط، وصح أداء المحيل للمحتال ليستفيد البراءة المؤبدة التي لم تحصل بالحوالة كما علل به في الذخيرة ولا يضر في نقل الدين قسمته بين غرماء المحيل بعد موته قبل قبض المحتال؛ لأن المحتال لم يملك الدين بالحوالة إذ يلزمه عليه تمليك الدين من غير من عليه الدين، وهو لا يجوز وإنما ملك المطالبة فإذا قبضه ملكه، ولا يلزم أن يكون على المحال عليه دينان دين للمحيل بدليل قسمته بين غرمائه ودين للمحتال؛ لأن الممنوع أن يكون للدين الواحد مطالبان لا أن يكون على واحد دينان باعتبارين لهما مطالب واحد كما في الحوالة، وإنما لا يصلح المحيل أن يكون وكيلا عن المحتال بقبض الدين لكون المحيل يعمل لنفسه ليستفيد الإبراء المؤبد، والفرق بين الهبة والإبراء في الرجوع وعدمه أن الإبراء إسقاط والهبة من أسباب الملك كالإرث، وإنما قبلت الفسخ؛ لأن الدين لم يسقط بالكلية؛ لأنها توجب الإبراء المؤبد وفي الذخيرة إذا أحال المديون المطالب على رجل بألف أو بجميع حقه، وقبل منه ثم أحاله أيضا بجميع حقه على آخر وقبل منه صار الثاني نقضا للأول، وبرئ الأول ا هـ. وإنما لم يبطل حق البائع في الحبس؛ لأن المطالبة باقية ولذا لو كان المحيل هو البائع بطل حقه في الحبس؛ لأن مطالبته سقطت كالمرتهن إذا أحال غريمه على الراهن بطل حقه في حبس الرهن بخلاف ما إذا أحاله الراهن، الثالث في ركنها هو الإيجاب من المحيل، والقبول من المحتال عليه والمحتال، الرابع في شرائطها ففي المحيل العقل فلا تصح إحالة مجنون وصبي لا يعقل والبلوغ وهو شرط النفاذ دون الانعقاد فتنعقد حوالة الصبي العاقل موقوفة على إجازة وليه كالبيع؛ لأن فيها معنى المبادلة، وأما حريته فليست شرطا للصحة فتصح حوالة العبد مأذونا أو محجورا غير أنه إن كان مأذونا رجع المحال عليه للحال وإلا فبعد العتق، وكذا صحته فتصح من المريض ومنها رضى المحيل حتى لو كان مكرها في الحوالة لم تصح؛ لأنها إبراء فيه معنى التمليك فيفسده الإكراه وفي المحتال العقل والبلوغ على أنه شرط نفاذ فينفذ احتياله موقوفا على إجازة وليه إن كان الثاني أصليا من الأول، وكذا الوصي إذا احتال بمال اليتيم لا تصح إلا بهذا الشرط ومنها الرضا حتى لو احتال مكرها لا تصح، ومنها مجلس الحوالة وهو شرط الانعقاد في قولهما خلافا لأبي يوسف فإنه شرط النفاذ عنده فلو كان المحتال غائبا عن المجلس فبلغه الخبر فأجاز لم ينعقد عندهما خلافا له والصحيح قولهما. وأما شرائط المحال عليه فالعقل فلم يصح من مجنون وصبي لم يعقل قبولها والبلوغ فلم يصح من صبي قبولها مطلقا سواء كانت بأمر المحيل أو بدونه لكونها مع الأمر تبرعا ابتداء وبدونه تبرعا ابتداء وانتهاء، ولو قبل عنه وليه لم يصح لكونه من المضار فلا يملكه الولي، ومنها الرضا فلو أكره على قبولها لم يصح ومنها المجلس فإنه شرط الانعقاد، وأما شرائط المحتال به فأن يكون دينا لازما فلا تصح ببدل الكتابة فما لا تصح به الكفالة لا تصح به الحوالة فلم تصح إحالة المولى غريمه على مكاتبه إلا إذا قيدها ببدل الكتابة، وأما إذا أحال المكاتب مولاه على رجل فإنما يجوز إذا كان له على رجل دين أو عين وقيد بها؛ لأن المحتال يكون نائبا عن المكاتب في القبض، فيجوز وإن لم يكن له واحد منهما أو كان له ولم يقيده به لا يجوز ولكن إذا أحال المولى عليه رجلا لم يعتق حتى يؤدي بدل الكتابة فإذا أحال مولاه على رجل عتق كما ثبتت الحوالة عكس البائع كما أوضحه الشارح وتفرع على هذا الشرط أنه لو ظهرت براءة المحال عليه من الدين الذي قيدت الحوالة به بأن كان الدين ثمن مبيع فاستحق المبيع تبطل الحوالة، ولو سقط عنه الدين لمعنى عارض بأن هلك المبيع عند البائع قبل التسليم بعد الحوالة حتى سقط الثمن عنه لم تبطل الحوالة لكن إذا أدى الدين بعد سقوط الثمن يرجع بما أدى على المحيل، ولو ظهر ذلك في الحوالة المطلقة لم تبطل وسيأتي الكلام عليها. الخامس في حكمها فلها أحكام منها براءة المحيل ومنها ثبوت ولاية المطالبة للمحتال على المحال عليه بدين في ذمته أو في ذمة المحيل على اختلافهم ومنها ثبوت الملازمة للمحال عليه على المحيل إذا لازمه المحتال فكلما لازمه لازمه، وإذا حبسه حبسه إن كانت بأمر المحيل ولا دين عليه له؛ لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة فعليه تخليصه وإن كانت بغير أمره أو كان مديونه، وقد قيدت به فلا ملازمة ولا حبس. السادس في صفتها ذكر في الخلاصة والبزازية أنها على ثلاثة أوجه: لازمة وجائزة وفاسدة. فاللازمة أن يحيل الطالب على رجل ويقبل الحوالة سواء كانت مقيدة أو مطلقة. والجائزة أن يقيدها بأن يعطي المحال عليه الحوالة من ثمن دار نفسه أو ثمن عبده فلا يجبر المحال عليه على البيع، وهو بمنزلة ما لو قبل الحوالة على أن يعطي عند الحصاد فإنه لا يجبر على أداء المال قبل الأجل، والفاسدة أن يقيد بإعطائه من ثمن دار المحيل أو ثمن عبده؛ لأنها حوالة بما لا يقدر على الوفاء به، وهو بيع الدار والعبد فإن الحوالة بهذا الشرط لا يكون توكيلا ببيع دار المحيل ا هـ. السابع في دليلها روى أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة مرفوعا: «مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع» وفي لفظ الطبراني مرفوعا: «من أحيل على ملي فليتبع» ورواه أحمد «ومن أحيل على ملي فليحتل»، ثم أكثر العلماء على أن الأمر للاستحباب وعن أحمد للوجوب، والحق الظاهر أنه أمر إباحة فهو دليل جواز نقل الدين شرعا أو المطالبة والإجماع على جوازها دفعا للحاجة كذا في فتح القدير. الثامن في أنواعها سيأتي أنها مقيدة ومطلقة. التاسع في سببها. العاشر في محاسنها وهو ما قدمناه في الكفالة. (قوله: وتصح في الدين لا في العين)؛ لأن النقل الذي تضمنته نقل شرعي وهو لا يتصور في الأعيان بل المتصور فيها النقل الحسي فكانت نقل الوصف الشرعي وهو الدين فلا بد أن يكون للمحتال دين على المحيل، ولذا قال في الخلاصة رب الدين إذا أحال رجلا على رجل وليس للمحتال على المحيل دين فهذه وكالة، وليست بحوالة ا هـ. وفي القنية أحال عليه مائة من الحنطة ولم يكن للمحيل على المحتال عليه شيء ولا للمحتال على المحيل فقبل المحتال عليه ذلك لا شيء عليه ا هـ. وأما الدين على المحال عليه فليس بشرط وفي السراج الوهاج لا تصح الحوالة بالأعيان والحقوق ا هـ. ولم يمثلوهما. (قوله: برضا المحتال والمحال عليه) لأن المحتال هو صاحب الحق وتختلف عليه الذمم فلا بد من رضاه لاختلاف الناس في الإيفاء، وأما المحال عليه فيلزمه المال ويختلف عليه الطلب والناس متفاوتون قيد برضاهما؛ لأنها لا تصح مع إكراه أحدهما كما قدمناه وأراد من الرضا القبول في مجلس الإيجاب لما قدمناه أن قبولهما في مجلس الإيجاب شرط الانعقاد، وهو مصرح به في البدائع ولكن في البزازية لو أحال على غائب فقبل بعدما علم صحت ولا تصح في غيبة المحتال كالكفالة إلا أن يقبل رجل له الحوالة ا هـ. فجعل القبول من المحتال والرضا منهما مع أنه قال الحوالة تعتمد قبول المحتال والمحال عليه، ولم يذكر المصنف رضا المحيل فإنه ليس بشرط على ما ذكره محمد في الزيادات وشرطه القدوري وإنما شرطه للرجوع عليه فلا اختلاف في الروايات كما في إيضاح الإصلاح. والحاصل أنها إن كانت بغير رضا المحيل وكان له دين على المحال عليه فله مطالبته بدينه وإن لم يكن له دين عليه فلا رجوع للمحال عليه؛ لأنه قضى دينه بغير أمره كما في السراج الوهاج،. وكذا حضرته ليست شرطا حتى لو قيل لصاحب الدين لك على فلان ألف فاحتل بها علي ورضي الطالب بذلك وأجاز صحت فليس له أن يرجع بعد ذلك، بخلاف ما لو قيل للمديون عليك ألف لفلان فأحله بها علي فقال المديون أحلت، ثم بلغ الطالب فأجاز لا يجوز عند الإمام ومحمد كذا في البزازية، وكذا لو كان المحتال غائبا كما قدمناه وفيها معزيا إلى المنتقى قال الآخر أحلني على فلان وسكت، ثم قال لم أقبل فالحوالة جائزة ا هـ. ولم يقيد المصنف رحمه الله تعالى بأن يكون الدين المحال به معلوما، ولا بد منه لصحتها لما في البزازية احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال احتلت بما يذوب لك على فلان لا تصح الحوالة مع جهالة المال، ولا تصح أيضا الحوالة بهذا اللفظ، والحوالة متى حصلت مبهمة يثبت الأجل في حق المحتال عليه كما في الكفالة، ولو كان المال حالا على الذي عليه الأصل من قرض أو غصب فأحاله به على رجل إلى سنة فهو جائز، وإن مات المحتال عليه قبل انقضاء الأجل عاد المال إلى المحيل حالا، فرق بين الحوالة والكفالة فإن الكفيل إذا كفل بدين وأجل الطالب الدين ولم يضف الأجل إلى الكفيل صار الأجل مشروطا للأصيل حتى لو مات الكفيل كان الدين على الأصيل مؤجلا، وفي الحوالة متى أضاف الأجل إلى الدين ولم يضف إلى المحتال عليه لا يصير الأجل مشروطا في حق الأصيل حتى لو مات المحتال عليه مفلسا لا يعود الدين إلى الأصيل حالا ا هـ. ومن الغريب ما في المجتبى أحال الغريم بغير رضا المحال عليه لا يجوز وقيل يجوز كالتوكيل بقبض الدين، وفي شروط الظهيرية رضا من عليه الحوالة ليس بشرط إجماعا. قلت: معناه إذا كان المحال به مثل الدين. ا هـ. والمذهب المعتمد أنه لا بد من رضا المحال عليه سواء كان عليه دين أو لا، وسواء كان المحال به مثل الدين أو لا، ثم اعلم أن الحوالة إذا صحت برضا المحال عليه وغاب المحيل فادعى المحال عليه ما يوجب براءة المحيل ليبرأ فهل تسمع دعواه ففي البزازية غاب المحيل وزعم المحتال عليه أن مال المحتال على المحيل كان ثمن خمر لا تصح دعواه، وإن برهن على ذلك كما في الكفالة ا هـ. وفي فروق الكرابيسي لو أحال امرأته بصداقها على رجل وقبل الحوالة ثم غاب الزوج فأقام المحتال عليه بينة أن نكاحها كان فاسدا، وبين لذلك وجها لا تقبل بينته ولو ادعى أنها كانت أبرأت زوجها عن صداقها، أو أن الزوج أعطاها المهر أو باع بصداقها منها شيئا، وقبضت قبلت بينته وإن كان المبيع غير مقبوض لا تقبل بينته، والفرق أن مدعي فساد النكاح متناقض أو؛ لأنه يدعي أمرا مستنكرا فلا تسمع دعواه بخلاف دعوى الإبراء أو البيع؛ لأنه غير مستنكر وكذا هذا في الكفالة ا هـ. فعلى هذا لو ادعى المحيل أنه أوفاه الدين بعدها تسمع وتقبل بينته؛ لأنه غير مستنكر. (قوله: برئ المحيل بالقبول من الدين) أي بقبول المحتال الحوالة على المحال عليه؛ لأن الأحكام الشرعية تبتنى على وفق المعاني اللغوية فمعنى الحوالة النقل والتحويل وهو لا يتحقق إلا بفراغ ذمة الأصيل بخلاف الكفالة؛ لأنها الضم وهو لا يتحقق مع البراءة وقوله من الدين رد على من يقول بأنه يبرأ عن المطالبة لا الدين، وقدمنا ذلك ومراده أنه يبرأ براءة مؤقتة كما قدمناه فلو أحال المشتري البائع بالثمن على رجل لم يملك حبس المبيع، وكذا لو أحال الراهن المرتهن لا يحبس الرهن ولو أحال الزوج المرأة بصداقها لم تحبس نفسها بخلاف العكس في الثلاثة هذا مقتضى براءة المحيل ولكن المنقول في الزيادات عكسه وهو أن البائع والمرتهن إذا أحالا سقط حقهما في الحبس، ولو أحيلا لم يسقط؛ لأن المحال عليه قائم مقام المحيل فلم تسقط مطالبتهما والمكاتب على عكس ذلك فإنه إن أحال مولاه على رجل عتق وإن أحال مولاه عليه لم يعتق حتى يؤدي البدل؛ لأنها معلقة ببراءة ذمته وقد برئت إذا كان المكاتب محيلا لا إذا كان محالا عليه. وقوله برئ المحيل من الدين غير شامل لما إذا كان المحيل كفيلا وخصها ببراءة نفسه فإنه يبرأ عن المطالبة؛ لأنه لا دين عليه على الصحيح وأما إذا أطلق الحوالة فإن الأصيل يبرأ أيضا؛ لأن الحوالة المطلقة تنصرف إلى الدين، وهو على الأصيل فيبرأ ويتبعه الكفيل كصلح الكفيل مع الطالب إن أطلقه برئا، وإن اشترط براءة نفسه خاصة برئ الكفيل وحده، كذا في تلخيص الجامع فإذا أحال الطالب على الكفيل بمال الكفالة صح وإن أحال على الأصيل فكذلك ولا سبيل للمحتال على الكفيل؛ لأنه لم يضمن كما في البزازية وفي قوله برئ المحيل إشارة إلى براءة كفيله فإذا أحال الأصيل الطالب برئا كذا في المحيط ولم يشترط المصنف لبراءة المحيل قبض المحال من المحال عليه فلا تتوقف على القبض إلا في مسألتين في تلخيص الجامع قال وإن كان دينه جيادا أو ذهبا وعليه زيف أو ورق فأحال عنهما بجياد أو ذهب على أن يأخذهما من غريمه جاز إن قبل الغريم ناقدا في مجلس المحيل والمحال إذا تصارفا مقتضى إيجاب الجياد كمل ينقل الدين مقتضى هبته من الكفيل، وأكدا بدله بضمان الحويل في المجلس كشرط الرهن والكفيل، والنقل إلى ذمته توثيق بمنزلة الملاءة عادة لا تفويت للقبض المستحق إلا أن يبرئه المحال فينعكس ويبطل الصرف؛ لأنه فسخ مجازا كي لا يلغو إذا لاقى ماله حكم الغير حذار الاستبدال غير مشروط بالقبول لوجود الرضا ضمن الحوالة ضد غيرها، ولو أحاله على الجياد أو الذهب الذي عليه أو على أن يعطيه الجياد أو الذهب الذي عليه لم يجز؛ لأن التعريف ضد التنكير يجعل الدين الذي عليه بدلا، وفيه تمليكه من غير من عليه أو شرط الثمن على الغير ضد ما لو كانت الجياد والذهب وديعة أو غصبا قائما أو ملك العين والدين ا هـ. ولم يذكر المصنف ما إذا اختلفا في الإحالة قال في البزازية زعم المديون أنه كان أحال الدائن على فلان وقبله وأنكره الطالب سأل الحاكم من المديون البينة على الحوالة إن أحضرها، والمحتال عليه حاضر قبلت وبرئ المديون، وإن غائبا قبلت في حق التوقف إلى حضور المحال عليه فإن حضر وأقر بما قال المديون برئ، وإلا أمر بإعادة البينة عليه وإن كان الشهود ماتوا أو غابوا حلف المحتال عليه وإن لم يكن للمديون بينة وطلب حلف الطالب بالله ما احتال على فلان بالمال فإن نكل برئ المطلوب ا هـ. قوله (ولم يرجع المحتال على المحيل إلا بالتوى)؛ لأن براءته مقيدة بسلامة حقه إذ هو المقصود أو لفسخ الحوالة لفواته، وأنها تحتمل الفسخ فصار كوصف السلامة في المبيع، وهذا إذا لم يشترط الخيار للمحال أما إذا جعل للمحال الخيار أو أحاله على أن له أن يرجع على أيهما شاء صح كذا في البزازية ومراده إذا كانت الحوالة باقية، أما إذا فسخت الحوالة فإن للمحتال الرجوع بدينه على المحيل ولذا قال في البدائع إن حكمها ينتهي بفسخها وبالتوى وفي البزازية والمحيل والمحتال يملكان النقض وبالنقض يبرأ المحتال عليه، وقدمنا عن الذخيرة أن الحوالة إذا تعددت على رجلين كانت الثانية نقضا للأولى، وفيها أيضا قال محمد في الزيادات رجل له على رجل ألف درهم وبها كفيل وعلى رب الدين لرجلين ألفا درهم دين لكل واحد منهما ألف درهم أحال رب الدين أحد غريميه على الكفيل حوالة مقيدة بذلك الدين، وأحال الغريم الآخر على الأصيل حوالة مقيدة بذلك الدين فهذا على وجهين إما أن حصلت الحوالتان على التعاقب وهو على وجهين، إما أن بدأ بالحوالة على الأصيل أو بالحوالة على الكفيل فإن بدأ بالحوالة على الكفيل صحت الحوالتان أما الحوالة على الكفيل فظاهر. وأما الحوالة على الأصيل فلأن تأخير المطالبة عن الكفيل لا يوجب تأخير المطالبة عن الأصيل ولا تبطل الحوالة الأولى بالحوالة الثانية؛ لأن المطالبة قد تأخرت عن الكفيل بالحوالة الأولى وإن بدأ بالحوالة على الأصيل ثم بالحوالة على الكفيل فالحوالة على الأصيل صحيحة وعلى الكفيل باطلة، ولو وقعتا معا جازتا إلى آخر ما فيها وقوله إلا بالتوى مقيد بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا لما في الذخيرة رجل أحال رجلا له عليه دين على رجل، ثم إن المحتال عليه أحاله على الذي عليه الأصل برئ المحتال عليه الأول فإن توى المال على الذي عليه الأصل لا يعود إلى المحتال عليه الأول. ا هـ. وللتوى معنيان لغوي واصطلاحي هنا، فالأول ففي المصباح التوى وزان الحصى وقد يمد هو الهلاك ا هـ. وفي الصحاح التوى مقصور إهلاك المال يقال توي المال بالكسر يتوى توى وأتواه غيره، وهذا مال تو على فعل. ا هـ. وأما الثاني فأفاده بقوله: (وهو أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة له أو يموت مفلسا)؛ لأن العجز عن الوصول يتحقق بكل واحد وهو التوى في الحقيقة. ولو فلسه الحاكم بعدما حبسه لا يكون توى عند أبي حنيفة وقالا هو توى؛ لأنه عجز عن الأخذ منه بتفليس الحاكم وقطعه عن ملازمته عندهما فصار كعجزه عن الاستيفاء بالجحود أو بموته مفلسا ولأبي حنيفة أن الدين باق في ذمته وبتعذر الاستيفاء لا يوجب الرجوع ألا ترى أنه لو تعذر بغيبة المحتال عليه لا يرجع على المحيل، وهذا بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده خلافا لهما؛ لأن مال الله تعالى عز وجل غاد ورائح وفي البزازية أحال على رجل فغاب المحتال عليه فزعم المحتال أن المحتال عليه جحد الحوالة وحلف وبرهن على ذلك لا تقبل ولا تصح دعواه؛ لأن المشهود عليه غائب ا هـ. وفي المحيط وإن صدقه المحيل رجع عليه بدون البينة والإفلاس للميت بأن لم يترك مالا عينا ولا دينا ولا كفيلا، ووجود الكفيل يمنع موته مفلسا على ما في الزيادات وفي الخلاصة لا يمنع وإن المحتال لو أبرأ الكفيل بعد موت المحال عليه فله أن يرجع بدينه على المحيل وفي البزازية أخذ المحتال من المحال عليه بالمال كفيلا، ثم مات المحال عليه مفلسا لا يعود الدين إلى ذمة المحيل سواء كفل بأمره أو بغير أمره، والكفالة حالة أو مؤجلة أو كفل حالا ثم أجله المكفول له وإن لم يكن به كفيل ولكن تبرع رجل، ورهن به رهنا ثم مات المحال عليه مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل، ولو كان مسلطا على البيع فباعه ولم يقبض الثمن حتى مات المحال عليه مفلسا بطلت الحوالة، والثمن لصاحب الرهن، ولو قال الطالب مات المحال عليه بلا تركة، وقال المحيل عن تركة فالقول للطالب مع حلفه. ا هـ. ثم قال فيها قال المحيل مات المحال عليه بعد أداء الدين إليك، وقال المحال عليه بل قبله وتوى حقي فلي الرجوع فالقول للمحتال لتمسكه بالأصل ا هـ. وأورد على قولهم لتمسكه بالأصل وهو العسرة ما لو أوصى لفقراء بني فلان، وجاء واحد من بني فلان وقال أنا فقير وقالت الورثة إنه غني فالقول للورثة، وإن كان الأصل العسرة؛ لأن الفقير مدع وليس بدافع شيئا عن نفسه من حيث المعنى وفي مسألتنا الطالب منكر معنى لأن المحيل بدعواه أن المحتال عليه مات عن وفاء يدعي توجه المطالبة على الورثة، وأنها لم تكن ثابتة على الوارث، وهذا دعوى على الطالب فإنه متى ثبت ذلك لا يعود الدين على المحيل والطالب بدعوى الفقر ينكر ذلك فقد انضم إلى التمسك بالأصل الإنكار معنى وفي مثله القول قول المتمسك بالأصل كذا في الذخيرة. (قوله: فإن طالب المحتال عليه المحيل بما أحال فقال المحيل: أحلت بدين لي عليك ضمن مثل الدين)؛ لأن سبب الرجوع قد تحقق وهو قضاء دينه بأمره إلا أن المحيل يدعي عليه دينا، وهو ينكر والقول للمنكر وإنما قال مثل الدين ولم يقل بما أداه فلو كان المحال به درهما فأدى دنانير أو عكسه صرفا رجع بالمحال به، وكذا إذا أعطاه عرضا وإن أعطاه زيوفا بدل الجياد رجع بالجياد، وكذا لو صالحه بشيء فإنه يرجع بالمحال به إلا إذا صالحه عن جنس الدين بأقل فإنه يرجع بقدر المؤدى بخلاف المأمور بقضاء الدين فإنه يرجع بما أدى إلا إذا أدى أجود أو جنسا آخر والكفيل كالحويل يرجع بالدين لا بما أدى إلا في الصلح على الأقل كما قدمناه في الكفالة ولا بد أن يقول بعد قوله بما أحال بعدما دفع المحال به إلى المحتال ولو حكما؛ لأنه قبل الدفع إليه لا يطالبه إلا إذا طولب ولا يلازمه إلا إذا لوزم كما قدمناه، فلو أبرأ المحتال المحال عليه فإنه لا رجوع له على المحيل ولو كان المحال عليه مديونا للمحيل، وقد أحاله بدينه مقيدا فللمحيل الرجوع عليه بدينه بعد إبراء المحتال، وإنما قلنا ولو حكما؛ لأن المحتال لو وهبه من المحال عليه فله الرجوع ولا رجوع للمحيل بدينه لو كان مديونه، وقد أحاله به كالاستيفاء والوراثة من المحتال كالهبة كذا في البزازية وفيها عن الثاني أحال المشتري بالثمن على إنسان فتبرع أجنبي بقضاء الثمن عن المشتري لم يرجع المحتال عليه على المشتري وإن تبرع على المحتال عليه يرجع وإن لم يبين فالقول للمتبرع وإن ميتا أو غائبا فعن المحتال عليه ما لم يعلم خلافه بإقرار الدافع قوله (وإن قال المحيل للمحتال أحلتك لتقبضه لي فقال المحتال أحلتني بدين لي عليك فالقول للمحيل)؛ لأن المحتال يدعي عليه الدين وهو ينكره ولفظ الحوالة مستعملة في الوكالة مجازا لما في التوكيل من نقل التصرف من الموكل إلى الوكيل فيكون القول له مع يمينه فإن قيل قلتم إن المحيل لا يملك إبطال الحوالة فلو لم يجعل المحتال مستحقا لملك المحيل إبطالها؛ لأنه يملك فسخ التوكيل بالقبض قلنا الحوالة قد صحت وهي محتملة أن تكون بمال هو دين على المحيل، ويحتمل أن يكون أقامه مقام نفسه فلا يجوز إبطال الحوالة بالاحتمال كذا في السراج الوهاج وفي المحيط إلا أن يكون المحيل قال للحويل اضمن عني هذا المال؛ لأن قوله اضمن عني لا يحتمل الوكالة؛ لأنه أمره بالضمان عنه، وإنما يصير ضامنا عنه إذا كان على المحيل دين فكان إقرارا هنا بالمال عليه ا هـ. وفي النوادر لو غاب المحتال وأراد المحيل أن يقبض المال من المحال عليه وقال أحلته بوكالة لا يصدق على ذلك؛ لأنه قضاء على الغائب هذه رواية بشر وخالد بن الوليد. وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى أنه يقبل قول المحيل أنه وكله؛ لأن الدين حقه قبل المحال عليه، وقد أنكر إسقاطه بالحوالة، وأقر بحق قبضه للوكيل بالوكالة وكذا لو قال لا تدفعه جاز نهيه وإن الآخر غائبا كذا في المحيط. قوله (ولو أحاله بما له عند زيد وديعة صحت فإن هلكت برئ) بيان للحوالة المقيدة، وحاصله أنها نوعان مطلقة ومقيدة فالمقيدة أن يقيدها بدين له عليه أو وديعة أو عين في يده وديعة أو غصب أو نحوه والمطلقة أن يرسلها إرسالا ولا يقيدها بواحد مما ذكر سواء كان له دين على المحال عليه أو عنده عين له أو لا بأن قبلها متبرعا، والكل جائز؛ لأنه في المقيدة وكيل في الدفع وفي المطلقة متبرع، وحكم المطلقة أن لا ينقطع حق المحيل من الدين والعين وللمحال عليه الرجوع على المحيل بعد أدائه إن كانت برضاه ولو كان الدين مؤجلا في حق المحيل تأجل في حق المحال عليه، ولا يحل بموت المحيل ويحل بموت المحال عليه، وحكم المقيدة أن لا يملك المحيل مطالبة المحال عليه بما أحال عليه من الدين أو العين لتعلق حق المحتال على مثال الراهن بخلاف المطلقة فلا تبطل الحوالة بأخذ ما عليه من الدين أو عنده من العين بخلاف المقيدة، وقدمنا حكم إبراء المحتال وهبته وإرثه ولو مات المحيل قبل قبض المحتال كان الدين والعين المحال بهما بين غرمائه بالحصص لكونه مال المحيل، ولم يثبت عليه يد الاستيفاء لغيره؛ لأن المحتال لم يملكه بها للزوم تمليك الدين من غير من هو عليه، وإنما وجب بها دين في ذمة المحال عليه مع بقاء دين المحيل. وقد حققناه فيما سلف وسيأتي حكم ما إذا قبضه المحتال به بعد مرض المحيل بخلاف الرهن؛ لأنه ثابت عليه يد الاستيفاء فاختص به المرتهن بعد موت الراهن مديونا بخلاف المطلقة لبراءة المحيل، وصار المحتال من غرماء المحال عليه وإذا قسم الدين بين غرماء المحيل لا يرجع المحتال على المحال عليه بحصة الغرماء لاستحقاق الدين الذي كان عليه، وظاهر قولهم بقسمته بين غرماء المحيل أنه يقسم بين ورثته أيضا بمعنى أن لهم المطالبة به دون المحتال فيضم إلى تركته ولم أره الآن، والمراد بالبراءة في قوله برئ بطلان الحوالة؛ لأن المودع كما قدمنا وكيل في دفعها فلا دين عليه أو المراد البراءة عن المطالبة، وهو الظاهر وهلاكها بقول المودع ولذا قال في الخلاصة لو قال المودع ضاعت بطلت الحوالة ا هـ. ولو لم يعط المحال عليه الوديعة، وإنما قضى من ماله كان متطوعا قياسا لا استحسانا، وقد مرت في الوكالة كذا في المحيط وفي التتارخانية والاستحسان أن لا يكون متبرعا وله أن يشارك غرماء المحيل في تركته ووديعته بقدر ما أدى، واستحقاق الوديعة مبطل لها كهلاكها كما في الخانية وفي التتارخانية لو كانت الحوالة مقيدة بالعين الوديعة فوهبها المحتال من المحال عليه صح التمليك وهو مشكل؛ لأن المحتال لم يملكها فكيف يملكها وجوابه أنه لما كان له حق أن يتملكها كان له أن يملكها. ا هـ. وقيد الوديعة؛ لأن الحوالة بالمغصوب لا تبطل بهلاكه ذكره الشارح في أول كتاب الرهن ووجهه أنه لا يبرأ بالهلاك للانتقال إلى بدله مثلا وقيمته وفي البزازية لو كانت مقيدة بالغصب لا تبطل لوجود الخلف وقيد بهلاك العين؛ لأنها لو كانت مقيدة بدين ثم ارتفع ذلك الدين لم تبطل على تفصيل فيه فلو أحال المولى غريمه على المكاتب ببدل الكتابة ثم أعتق المولى المكاتب لم تبطل الحوالة عندنا خلافا لزفر وعلى هذا الخلاف ما إذا باع عبدا من رجل بألف درهم، ثم إن البائع أحال غريما بالثمن على المشتري فمات العبد قبل القبض أو رد بخيار من الخيارات الثلاث قبل القبض أو بعده لم تبطل، ولو استحق المبيع أو استحق الدين الذي قيد به الحوالة من جهة الغرماء، أو ظهر أن العبد المبيع كان حرا بطلت الحوالة إجماعا والفرق أن في الأول سقط الدين بعد الوجوب مقصودا فلم تبطل الحوالة، وفي الثاني ظهر عدم الوجوب وقت الحوالة فبطلت وإذا لم تبطل وأدى فإنه يرجع به على المحيل فيرجع المكاتب على سيده إن أداه بعد عتقه لا قبله. كذا في الذخيرة ثم قال وفي المنتقى: رجل اشترى عبدا بألف درهم وقبضه ثم أحال المشتري البائع بالثمن على غريمه من المال الذي له عليه ثم رد المشتري العبد بعيب بقضاء فإن القاضي يبطل الحوالة فإن كان البائع أجل المحتال عليه بالمال فإن الأجل ينتقض أيضا إذا كان الرد بحكم فإن كان الرد بغير حكم لا يبطل الأجل والمشتري بالخيار إن شاء اتبع البائع به حالا، وإن شاء اتبع المحتال عليه إلى أجله ا هـ. فقد فرق على رواية المنتقى بين إحالة البائع غريمه على المشتري وبين إحالة المشتري البائع على غريمه حيث لا تبطل في الأولى بالفسخ وتبطل في الثانية ولعل وجهه أن في الأولى تبين أن لا دين عليه وهي تصح بدون دين على المحال عليه، وفي الثانية ظهر أن المحيل ليس بمديون فبطلت ثم قال في الذخيرة وإن كان البائع أبرأ المحتال عليه من المال أو وهبه أو اشترى منه ثوبا وقبضه ثم رد المشتري المبيع بعيب بقضاء أو بغيره جازت الهبة والإبراء والبائع ضامن للمال، وكذا لو مات العبد في يد البائع قبل القبض وكذا لو استحق بعده وقد أبرأ البائع المحتال عليه من المال أو وهبه له ا هـ وهو مشكل بالنسبة إلى مسألة الاستحقاق لما تقدم من بطلان الحوالة إذا استحق المبيع؛ لأنه تبين أن لا دين أصلا فلما بطلت ينبغي أن يبطل ما ابتني عليها من الهبة والإبراء من البائع، وقد وقعت حادثة الفتوى في المديون إذا باع شيئا من دائنه بمثل الدين، ثم أحال عليه بنظير الثمن أو بالثمن فهل تصح أو لا فأجبت إذا وقع بنظيره صحت؛ لأنها لم تقيد بالثمن ولا يشترط لصحتها دين على المحال عليه، وإن وقعت بالثمن فهي مقيدة بالدين وهو مستحق للمحال عليه لوقوع المقاصة بنفس الشراء، وقدمنا أن الدين إذا استحق للغير فإنها تبطل والله أعلم. (فروع مهمة) يجوز قبول الحوالة بمال اليتيم من الأب والوصي على أملأ من الأول؛ لأن تصرفهما مقيد بشرط النظر وإن كان مثله في الملاءة اختلفوا على قولين، ولو احتالا بدينه إلى أجل لم يجز لكونه إبراء مؤقتا فيعتبر بالإبراء المؤبد، وهذا إذا كان دينا ورثه الصغير وإن وجب بعقدهما جاز التأجيل عندهما خلافا لأبي يوسف كذا في المحيط وكذا قبول الحوالة من المتولي على هذا التفصيل ولم يذكروا فيما رأيت حكم إحالة المستحق بمعلومه على المتولي، وينبغي أن تكون صحيحة إذا كان مال الوقف تحت يده كالإحالة على المودع بجامع أن كلا منهما أمين ولا دين عليه، وأما إذا لم يكن في يده مال الوقف فلا؛ لأنها لثبوت المطالبة على المحال عليه، ولو قبل الحوالة بالمال الذي للمحيل على المحال عليه ثم مرض المحيل فقضى المحال عليه سلم للمحتال ما أخذه، ويؤخذ من المحال عليه ما علم ويقسم بين غرماء المحيل بالحصص ويشاركهم المحتال عليه، ولو كانت الحوالة بوديعة فالمسألة بحالها فلا سبيل لغرماء المحيل على المحال عليه، ولو أحال المحال عليه المحتال على آخر جاز وبرئ الأول والمال على الآخر كالكفالة من الكفيل، ولو قال ضمنت لك ما على فلان على أن أحيلك به على فلان فرضي الطالب إن أحاله وقبله جاز وإن لم يقبل فلان الحوالة فالكفيل ضامن على حاله، ولو قال على أن أحيلك به على فلان إلى شهر انصرف التأجيل إلى الدين؛ لأنه لا يصح تأجيل عقد الحوالة، وإذا أراد أن يحيله على فلان فلم يقبل المكفول له الحوالة برئ الكفيل عن الضمان وإن مات فلان لم يكن الطالب أن يطالبه بالمال حتى يمضي شهر، والكل في المحيط وفي البزازية أدى المال في الحوالة الفاسدة فهو بالخيار إن شاء رجع على القابض وهو المحتال وإن شاء رجع على المحيل وعلى هذا إذا باع الآجر المستأجر، وأحال بالثمن على المستأجر ثم استحق المستأجر من يد المشتري إن شاء رجع بالثمن على المؤجر المحيل، وإن شاء رجع على المستأجر القابض وكذا في كل موضع ورد فيه الاستحقاق ا هـ. (قوله: وكره السفاتج) جمع سفتجة قيل بضم السين وقيل بفتحها، وأما التاء مفتوحة فيهما فارسي معرب، وفسرها بعضهم فقال هي كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالا قرضا يأمن به خطر الطريق كذا في المصباح، وفي القاموس السفتجة كقرطقة أن يعطي مالا لآخر وللآخذ مال في بلد المعطي فيوفيه إياها، ثم فيستفيد أمن الطريق وفعله السفتجة بالفتح ا هـ. وحاصله عندنا قرض استفاد به المقرض أمن خطر الطريق للنهي عن قرض جر منفعة، وقيل إذا لم تكن المنفعة مشروطة فلا بأس به في البزازية من كتاب الصرف ما يقتضي ترجيح الثاني، قال ولا بأس بقبول هدية الغريم وإجابة دعوته بلا شرط وكذا إذا قضى أجود مما قبض يحل بلا شرط، وكذا لو قضى أدون، ولو أرجح في الوزن أن كثيرا لم يجز وإن قل جاز وما لا يدخل في تفاوت الموازين ولا يجري بين الكيلين لا يسلم له بل يرده والدرهم في مائة يرده بالاتفاق، واختلفا في نصفه قيل كثير وقيل قليل ولو أن المستقرض وهب منه الزائد لم يجز؛ لأنه مشاع يحتمل القسمة ا هـ. والله أعلم.
|